أميركــا تفــاوض طالبـان
د.نسيب حطيط
بعد عشر سنوات من الإجتياح الأميركي لأفغانستان بهدف القضاء على القاعدة وحركة طالبان إنتقاما لهجمات 11أيلول2001، ضمن استراتيجية الحرب على الإرهاب وبعد فشل المشروع الأميركي في أفغانستان خاصة لجهة السيطرة الميدانية أو إقامة حكم مركزي يفرض سلطته الكاملة ونتيجة الإخفاقات في العراق وأفغانستان والفشل على الجبهتين السورية والإيرانية، اتجهت الحكومة الأميركية إلى فتح دفاترها القديمة للإستعانة بمن صنعتهم أجهزة المخابرات الأميركية والباكستانية وبتمويل خليجي الذين سموا(بالأفغان العرب)وزعيمهم بن لادن والذين تم(تأطيرهم) فيما بعد بما عرف بتنظيم(القاعدة)وأخواتها من جماعات السلفيين التكفيريين في أنحاء العالم الإسلامي، بالإضافة إلى حركة طالبان الأفغانية والتي صنعت للقضاء على جيل المجاهدين ضد الغزو السوفياتي أمثال(برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود وغيرهم)الذين تم إغتيالهم من قبل حركة طالبان بقرار أميركي لإزالتهم من طريق المشروع الأميركي خاصة وأنهم يملكون رصيدا شعبيا وقتاليا يمكنهم من إفشال المشروع الأميركي، وقد نجح الأميركيون لحد كبير وأبعدوا هذا الجيل إما بالقتل وإما بالإبعاد، ونتيجة لتوسع جغرافيا التوتر والصراعات السياسية والعسكرية،وظهور منافسين دوليين جدد، أيقنت اميركا أن مرحلة الأحادية والسيطرة المطلقة على العالم ومكوناته السياسية والبشرية قد انتهت وانها أمام مرحلة جديدة من الصراع والتنافس و التحديات تتمثل بالتالي:
- صمود محور الممانعة والمقاومة بركائزه الرسمية(إيران وسوريا) والشعبية(حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق).
- ظهور أول إئتلاف دولي منذ سقوط الإتحاد السوفياتي ضد الدور الأميركي ويتمثل بدول مجموعة(البريكس)(روسيا-الصين-البرازيل-جنوب أفريقيا والهند) والذين يمثلون أكثر من50%من العالم.
- إنتفاضة الثنائي(روسيا والصين) بهدف إستعادة دورهم الدولي أولا، وحماية كياناتهم السياسية ومصالحهم الإقتصادية التي تهددها أميركا عبر إفتعال الإضطرابات الشعبية كما حصل في العالم العربي، وإستغلالها لتحقيق التقسيم الثاني للإتحاد الروسي بعد التقسيم الأول وتفكيك الإتحاد السوفياتي،والبدء بتقسيم الصين لتفتيت أكبر كتلة عالمية لإحتواء إجتياحها الإقتصادي الذي يبشر بإجتياح عسكري ،لما للصين من قدرات بشرية وإقتصادية وعسكرية .
- سقوط حلفاء أميركا في الشرق الأوسط(مبارك وبن علي والقذافي )وترنح الآخرين (علي صالح-آل خليفة في البحرين-السعودية والكويت).
- الإنسحاب الأميركي من العراق والتحضير للإنسحاب الأميركي من أفغانستان.
- الأزمة المالية الأميركية والأوروبية والتي استنفدت كل مدخرات دول النفط إما بواسطة صفقات الأسلحة الوهمية أو بمصادرة الأموال مباشرة من البنوك بعنوان الإفلاس أو الإستثمار الوهمي أو القروض المعدومة.
ولمواجهة هذه التحديات لجأت أميركا وحلفائها إلى إستراتيجية جديدة سميت(الحرب البديلة) التي تقوم على:
- إستبعاد الغزو والإحتلال المباشر لتقليل الخسائر المالية والبشرية الأميركية ولعدم توحيد المشاعر الوطنية لمواطني البلد المحتل بمواجهة الغزاة.
- إثارة الفتن المذهبية والطائفية والقومية،لإشعال النزاعات والحروب الأهلية لتفكيك النسيج الإجتماعي لكل بلد وصولا إلى التقسيم(جنوب السودان-أقاليم العراق الأقباط...).
- إستعمال وسائل الخداع السياسي بعنوان الديمقراطية والإصلاح والتعددية السياسية وإختراع منظومات سياسية باسم(المعارضة)وتشكيل(مجالس وطنية)لقيادة التغيير من بعض الأشخاص من الوصوليين والإنتهازيين والمرتبطين بالمخابرات الأميركية وحلفائها،وصناعة قيادات هجينة يمكن تحريكها وفق المخطط الأميركي مقابل بعض الإغراءات والألقاب .
ولتحقيق هذه الأهداف لجأت الإدارة الأميركية إلى الوسائل التالية:
- إعادة إنتاج نسخة منقحة من(الأفغان العرب)والقاعدة عبر إحياء التيار السلفي التكفيري ودعمه في ساحات الفوضى العربية وتلقيح الثورات العربية به،لإدخاله إلى المنظومة السياسية والشعبية للدول كصاعق تفجير للمجتمعات الوطنية نتيجة الفتاوى المتطرفة والسطحية والتي تعتمد منهجية(التكفير) لكل من يخالفهم الرأي بما يساعد على تهجير الأقليات الدينية أو دفعها للمطالبة(بالحكم الذاتي)أو التقسيم،كما بدأت عملية صناعة (الأفغان العرب) برعاية وتمويل سعودي،فأن التيار السلفي بدأ مسيرته السياسية برعاية وتمويل سعودي، وهذا ما اعلن عنه في مؤتمر (مشايخ وعلماء السلفية )في الرياض برعاية ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز.
- بدء التفاوض مع حركة طالبان تمهيدا للإنسحاب الأميركي بحيث يتم مقايضة الإعتراف الأميركي بحركة طالبان وتسليمها الحكم في أفغانستان على مرحلتين أولاهما المشاركة عبر حكومة وحدة وطنية مع نظام كرزاي وبعدها إستلام الحكم بواسطة الإنتخابات النيابية.
على أن تقدم طالبان الخدمات التالية:
- التحالف مع أميركا وتأمين أفغانستان كقاعدة أميركية في وسط المثلث المعادي(روسيا-الصين وإيران)بما يشبه دور تركيا في قاعدة في مثلث(إيران-سوريا والعراق) وستكون أول مهام حركة طالبان فتح جبهة عسكرية مع إيران شبيهة بالحرب العراقية-الإيرانية الماضية مع خصوصية إستثنائية بأنها ستكون موصوفة بالمذهبية(السنية-الشيعية)لتعميم الفتنة المذهبية في العالم الإسلامي وإستنزاف إيران.
- الإستعانة بالقدرات العسكرية لطالبان خاصة عناصرها من الافغان العرب وغيرهم من الأفغانيين والباكستانيين وغيرهم لإستخدامهم في ساحات الصراع المقبلة في سوريا ولبنان والعراق وإيران وغيرهم بعنوان(نصرة المسلمين)في أوطانهم ما عدا الفلسطينيين لأن ذلك تجاوزا للخطوط الحمر وهي عدم تهديد الأمن الإسرائيلي كشرط أميركي للتعاون تماما كصفقات الأسلحة مع الحرب التي لا تهدد إسرائيل.
بدأت أميركا التفاوض مع عدوها(المفترض) طالبان مما انعكس تعاطفا وحماية من قوى14أذار مع (القاعدة) بواسطة رسائل ال(( sms،وصدقوا ماشئتم من النفاق الأميركي !